A A A
صالح سليم

ذات مرة سألت الكابتن صالح سليم رحمة الله عليه عن رأيه في أزمة كانت مثارة بين النادي الأهلي واتحاد الكرة فقال لي بعفوية شديدة: :"أنا ماليش رأي»، وقبل أن تكتمل دهشتي إذ كيف يقول هذا من هو صاحب الرأي القوي والعنيف أحيانا، بادرني هو بالتفسير: »أنا صاحب قرار، وقراري هو قرار مجلس الإدارة الذي أنا عضو فيه، وداخل القاعة هنناقش الأمر كله وبعدين يطلع قرار المجلس الذي يمثلنا جميعا.. لكن أن يكون لصاحب القرار رأي يجاهر به شخصيا ويتحدث عنه سواء قبل الاجتماعات أو بعدها، هذا خطأ كبير، وفوضي في الإدارة.. يا تكون صاحب قرار وتعبر عن مجلسك، يا تكون صاحب رأي وتقول وترغي براحتك»!! اضافة اعلان

مازلت اتذكر جيدا كلمات صالح سليم الذي هو أحد أهم العلامات البارزة في تاريخ الإدارة الرياضية وألحت علي ذهني هذه الخطوط الفاصلة، ومجلس إدارة اتحاد الكرة يتخذ أمس الأول قرارا بمنع جمع مدربي المنتخبات بين عملهم الفني هذا والعمل الإعلامي كمحللين للمباريات ومعلقين علي الأحداث الكروية، ذلك أن مجلس الإدارة الذي اتخذ هذا القرار الصائب يمارس معظم أعضائه هذا الخلط التام بين العمل الإعلامي الاحترافي وإدارة شئون الاتحاد في وليمة عشوائيات حقيقية، إذ لا يحتاج أي متابع بسيط أدني جهد ليكتشف العجب العجاب في أداء وتعليق عضو مجلس إدارة يخرج إعلاميا مدافعا عن رأيه الشخصي في أزمة مطلوب منه التصويت فيها داخل المجلس أو رجم رأي مخالف له أو تهديد المختلفين معه في الرأي والتوجه، أو محاولة توجيه الرأي العام قبل زملائه نحو رأي بعينه أو تصفية حسابات مع من اختلف معهم في الرأي علي مائدة الاجتماع. والكثير من مكونات وليمة العشوائيات هذه.

حظر جمع مدربي المنتخبات بين عملهم الفني المتعاقدين علي ادائه والملزمين بالتفرغ من أجله، قرار صائب ومطلوب تعميمه من جانب الأندية، إذ ليس مفهوما أن يخرج ويظهر مدرب ضيفا علي ستوديو تحليل للتعليق علي أداء مدرب زميل يقود فريقا آخر ينافسه وقد يلعب ضده بعد أيام، أو نافسه قبل أيام، ولديه كامل المعلومات عنه، فإما أن يتحدث عنه بالحقيقة التي قد تجرحه أو تسيء للعلاقة وتكدر الصفو الرياضي والأخلاقي أو يضلله بمعلومات يسعي من ورائها لفائدة تخصه فنيا، وفي كل الحالات، هذه جزئية من وليمة العشوائيات في نظامنا الرياضي العجيب.. مدرب يخسر بالخمسة ثم يظهر محللا وشارحا وخبيرا وناصحا ويعدل علي مدرب ربما يكون قد هزمه كثيرا..!!

غير ان الأهم من هذا القرار الصائب الصادر عن مجلس إدارة الاتحاد يحتاج إلي تعميمه علي أصحاب القرار أنفسهم، فلا يعقل أن يحترف كل منهم العمل الإعلامي ليتنافس ويتسابق علي تجويد مادته وتأكيد وجهات نظره وانفراداته وربما تسوية حساباته وإعلان مواقفه وآرائه.. ناهيك عن الاشكالية القانونية الكبيرة في تعاقد عضو المجلس مع شركة متعاقدة مع الاتحاد ليجد نفسه متهما من قبل شركات منافسة بالانحياز لهذا الطرف ضد الآخر عند أي عرض لبيع الحقوق وخلافها، وكثيرا ما يتردد هذا الاتهام، مع كل الاحترام لجميع أعضاء المجلس، لكن من يخسر ممارسة يلقي بالاتهامات، وربما يقول أي من أعضاء المجلس انهم متطوعون ولا يحصلون علي مقابل من عملهم بالاتحاد، وهذا صحيح، ولهم الحق فيه، لكن هذا الخلط والجمع المعيوب قاتل ومؤثر، والحل فيه مع قرب الاعلام عن قانون الرياضة الجديد هو تحويل مجالس الإدارة هذه إلي إدارات محترفة تحصل علي مقابل مالي مجز نظير التفرغ، وهذا ليس بدعة، بل كل الاتحادات والهيئات الدولية تعمل به بدلا من وليمة العشوائيات القاتلة.